رؤيا الطلول تشب في أحشائي....... أتذكر الماضي البعيد النائي
ماض ورى في القلب نيران الجوى....... في الصبح مضرمة وفي الإمساء
فوقفت أرنو في رحاب مراحها....... علي أرى أثرا من الأحياء
كانت هناك مساكن و مضارب....... لم يبق منها غير بعض خباء
رحلوا ولا أدري فأين مكانهم....... هل هم بأرضي أم همو بسمائي
لكن مـا أدري يقينـا أنهـم....... تخذوا مكـانا في صميم بنائي
ورجعت أجتر الهموم ولم أبؤ....... إلا بذكرى مزقت أحشائـي
وارتـد لي بصـري حسيرا خاسئا....... وأصابني شيء من الإغمـاء
أدركت نفسي قبل شر وقوعها....... وخشيت أن تبقى بغير لقـاء
وتفجرت عبرات حزني مثلما....... يتفجر الينبـوع في الصحراء
فاضـت دموعـي ثرة وسخينـة....... أبكي وقـد بكت الربا لبكائي
فهمزت راحلتي وقلت لها ارحلي....... سأجوب أرضا لم يطأها الطائي
فكأن راحلتي استجابت وارتأت....... ألا مفـر وقـد أحم قضائي
شرعـت تهرول في الفلاة كأنما ....... هي ظبيـة فـرت من اللأواء
ومضـت تشق طريقها في غيهب....... مـا بين نبح صاخب وعـواء
صحـراء قاحلة شققت غبارها....... بمطيـة تعـدو بلا استرخـاء
ومطيتي والعشـق يفتك بالفتى ....... هـل تشعرين بحرقتي وشقائي
لو كنت تدرين الكلام أجبتني....... ولكـان ردك سلوتي وعزائي
إني لأعلم أن فيـك أمـانة ....... أو تعجبين لكثـرة الأعبـاء
أنت المسخـرة الإلـه أقـرها ....... في حـر صيف أو برود شتاء
عذبت من عشق يؤرق مقلتي....... فالبين سقمي واللقاء شفائـي
وحبيبتي أحببـت فيهـا كلها....... وجميـع منبتهـا بـلا استثناء
منها اللحاظ كأنما هـي أسهم....... رشقـت بجنـد كتيبة أكفاء
فأصبن مني مقتـلا و تركنني....... متمـزق الأحشـاء والأعضاء
تبدي دلالا ليس فيه تكـلف ....... وإذا مشت تمشي على استحياء
لمست شغافا في الفؤاد وأذهبت....... عقلي وطالت في الهوى حوبائي
فرأيتني أهذي أناجي طيفها ....... فكأن بي مس مـن الهوجـاء
سأظل في عشقي أمينا مخلصـا ....... أحـظى بصفو سريرة ونقاء
فأنا على عهدي ولست بناقض ....... فالعهد عهـدي والوفاء وفائي
إني لأقسم بالذي خلق الورى ....... مـا زلت في حبي من الأمناء
لا تعجبوا فالعشق يعصف بالفتى ....... عصف الريـاح بخيمـة البؤساء
لم يبق للعقـل السليم بصيرة ....... أبـدا ولم يبخـل على الحكماء
أنا إن دعا قومي أكـون ملبيا ....... في السلم أو في الحرب في الهيجاء
سيفي سلاحي والقناة وأسهمي ....... فتاكـة بفـوارس الأعـداء
فإذا رميت فإن سهمي نافـذ ....... في القلب أو في الصدر في السوداء
وإذا ضربت فإن سيفي باتـر ....... يهـوي كصـاعقة من الجوزاء
وإذا طعنت فـإن رمحي باقـر....... يضـع القلوب مواضع الأمعاء
أنا من له باع طويل في الوغى ....... تخشى منازلـتي عظيـم بـلاء
أعلو جوادي لا اخاف مدججا....... منهـم ولا أخشى من الإعياء
علمته فن الحروب فكـان لي....... ردءا يخلصـني مـن الأرزاء
كم من شجاع قد تولى مدبرا ....... لـما رآني قد لبست ردائي
ومدجج شهد المهند في يدي....... فانهار مـرتميا علـى الغبراء
داسته أقدام الجنود وأعملت ....... فيـه السنابك من أذى وعناء
قد خـار بعـد يقينه بمنونـه....... وغـدا يئن كنأمة الخرسـاء
فأنا المغير على العدى بديارهم....... وأنا مجندلهم علـى البطحاء
الكـل يشهد في المعارك أنني....... بطـل و مقدام بلا استخذاء
قالـوا بأني فـارس وغضنفـر....... والقول عند جهابذ العلماء
جرت الدماء كسيل غيث جارف....... واكتظت الحومـاء بالأشلاء
وقشاعم ملأت بطون فراخهـا....... وغدت ترفرف في ذرى الأجواء
لم يبـق وحش في الفيافي جائعا....... من بعد معركة جرت بكداء
قومي أباة لا يشق غبـارهـم ....... قدت منـاقبهـم من البيداء
وهمو ليوث لا يرام عرينهـم....... أبدا وجوهرهم من النبـلاء
في كـل معركة وكل وقيعـة ....... راياتـهم تسمـو إلى العلياء
يقرون أضيافـا تلوذ بحيهـم....... عدوا بلا ريب من الكرماء
وإذا استغاث المستغيث مضوا له....... عدوا بعزم نافـذ ومضـاء
يأوي إليهـم كـل أغـبر تائه....... عـانى مـن الأهوال والضراء
أطنابـهم مـأوى لكل مشرد....... وديارهـم مسترفـد الغرباء
جـودي عليهم يا سماء بواكف....... يسقـي ويروي سائر الأنحاء
طوبى ليوم قد صغى لقصيدتي ....... حشـد من الأدباء والبـلغاء
طوبى لـه يـوم أغـر لأنني ....... لقبـت فيـه بأشعر الشعراء
شعـري كريم لا أهين ولم أرم ....... كسبـا من الأمراء والرؤساء
فإذا مدحت فما لمدحي ناقـد....... أبدا ولا أحـد يعيب هجائي
لي بيت شعـر في الفلاة منسق....... متـرامي الأطراف والأرجاء
آوي إليه إذا السمـاء تلبدت....... بالغيـم وانهمرت سيول الماء
وبه الملاذ إذا الرياح تناوحت....... أو إن عوت في الليلة الليلاء
عبقا يفوح المسك من جنباته....... و يعج بالبخـور والأنـداء
والنـار مذكاة بنيران الغضا....... تهـدي الضليل بنورها اللألاء
أركانه نصبت على ذي ربوة ....... ليكـون في نأي من الأنـواء
وأمامه سهـل فسيـح نبته ....... ترعى به نوقي وكـل شيائي
تكسوه أزهار الربيع مزين ....... بالشيـح والقيصوم والزوفاء
حتى إذا هب النسيم عشية ....... عبق الهواء بخالـص الأشذاء
وترى الوعول تجوب في أطرافه....... تلهو وتمرح في الربى الخضراء
وتشاهد الغزلان فيها أطفلت ....... والعـين عاكفة على الأطلاء
ومهـاة بيـد قد تجمع شملهـا ....... تغـري الضواري أيما إغـراء
لكنهـا في مأمـن وسـلامـة ....... لا يجرؤ الضاري على الإيذاء
فكأنما سهـلي المنيـع محصـن ....... من كل عادية ووحش خلاء
وكلاب صيدي لا يساورها الكرى....... إلا بـما شيء من الإغفـاء
تعدو دراكا خلف كـل طريدة....... فكأنـها الإعصار في الدأماء
حتى إذا لحقـت بها شكت بـها ....... أنيـاب ذئب جائـع لعشاء
فدعـوت جيراني لخير وليمـة....... من لحم قدر أو صفيف شواء
والبئر فيها لا تغيـض مياههـا ....... عـذب فرات كامل الإرواء
تأتيه مـن شتى البقـاع قبائـل....... تسقي وتروي في رضى وهناء
لا والذي فطـر السموات العلا....... إني لأعلـن توبتي وولائـي
لله ربي خالـقي و مصـوري....... الله رب الــخير و الآلاء
قد كان لي عند الصلاة ضراعة....... أدعـو الإلـه بتوبة ورجاء
ويمور في صدري التضرع والأسى ....... وأكـاد أخنق من شجى وبكاء
رحـماك ربي فالذنوب كثيرة....... أنت الغفـور لسـائر الأخطاء
هذي أكفي قد رفعت ضراعـة ....... والعفو عندك بلسمي وشفائي
نفسي ظلمت ولست أجهل أنني....... لك لو لجأت نجوت من بلوائي
قـد جئت يا ربي إليـك ممنـيا ....... نفسي بعفـو شامل ووقـاء
سبحانـك اللهم يا من عنده....... رزق العـباد بوفـرة وسخاء
أنت المهيمن والعزيز وليس لي ....... إلاك يعصمـني مـن الأهواء
يا خالقي والكون لست بكافر ....... بل شاكر وأبـوء بالنعمـاء
يا رب سمعا من علاك وطاعة ....... لبيـك فاقبل طاعتي و ثنـائي
عيناي دامعة وقلبي خـاشع....... وجوانحـي ملئت بفيض سنـاء
أنا من أكون وأنت تعلم من أنا....... أنـا عبدك الأتقى بدون مـراء
كـم يا إلهي أنت رحمن بنـا ....... الله ربي أرحـم الرحــماء
أرسلت منـا هاديـا ومعلما ....... للنور أخـرجنا من الظلمـاء
يا أمة الدين الحنيف لك العلا ....... والمجد ينمو في الذرى الشمـاء
ما زلت نبراسا ونورا مرشدا ....... للعالمين بهـمـة و ذكـــاء